فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الواقعة:
{الواقعة} [1] القيامة. وقيل: الصيحة. {كاذبة} [2] تكذيب، ومثله {لاغية} أي: لغوًا. {رجت} [4] زلزلت، فينهدم كل بناء عليها رجة واحدة. {وبست} [5] هدت. وقيل: دقت وفتتت، والبسبسة: السويق.
قال بعض اللصوص:
لا تخبزا خبزًا وبسا بسا

ولا تطيلا بمقام حبسا

{أزواجًا ثلاثة} [7] أصنافًا متشاكلة. وفسرها ابن عباس بما في سورة الملائكة من الظالم والمقتصد والسابق. وروى النعمان بن بشير: «أن النبي عليه السلام قرأ: {وكنتم أزواجًا} إلى قوله: {والسابقون السابقون} فقال: هم الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان». وتكرير السابقين، لأن التقدير: السابقون إلى الطاعة، هم السابقون إلى الرحمة. فيكون الأول: مبتدأ، والثاني: خبره. و{أولئك المقربون} [11] من صفتهما. {ثلة} [13] جماعة. {وقليل من الأخرين} [14].
لأن الذين سبقوا إلى الإيمان بالنبي عليه السلام قليل من كثير ممن سبق إلى الإيمان بالأنبياء قبله. {موضونة} [15] مضفورة متداخلة. {مخلدون} [17] مسورون. وفي (تاج المعاني): إنهم روحانيون، لم يتجسموا، من قولهم: (وقع في خلدي) أي: نفسي وروحي. {إلا قيلًا سلامًا} [26] نصب سلامًا على البدل من قيل، أي: لا يسمعون إلا سلامًا.
ويجوز نصبه بالقيل بتقدير: إلا أن يقال يسلمك الله سلامًا. {في سدر مخضود} [28] لين لا شوك عليه، ولا عجم فيه، كأنه خضد منه الشوك، قال الشماخ:
إن تمس في عرفط صلع جماجمه ** من الأساليق عاري الشوك مخضود

تصبح وقد ضمنت ضراتها غرقًا ** من طيب الطعم حلو غير مجهود

{وطلح منضود} [29] أي: قنو الموز، نضد بعضه على بعض، أي: وضع وجمع. قال:
إذا دعت غوثها ضراتها فزعت ** أطباق نيء على الأثباج منضود

{وظل ممدود} [30] أي: في الزمان والمكان، فلأنه غير متناه إلى حد يفنى فيه، لكنه ظل ظليل، لا شمس تنسخه، ولا حرور ينغصه، ولا برد يفسده، كما قال عز وجل: {لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرا}. {وفرش} [34] العرب تكني بالفراش عن المرأة. {مرفوعة} [34] أي: على السرر. {أنشأناهن} [35] أعدناهن صبايا أبكارًا. {عربًا} [37] العروب: الحسنة التبعل، الفطنة بمراد الزوج، كفطنة العرب. {أترابًا} [37] لدات، فيكون أتم لحسنهن واستوائهن، قال أبو زبيد الطائي:
نراك أيامنا بالنعف من ظلم إذ ** لست باحسب ظل العيش منجابا

لا أحسب الدهر إلا نشوة اندار ** مسمعًا... الله أترابا

{ثلة من الأولين وثلة من الأخرين} [39، 40].
لما نزل في السابقين: {وقليل من الأخرين}، عز ذلك على الصحابة، فنزلت هذه، وفسرها رسول الله صلى الله عليه فقال: «من آدم إلينا ثلة، ومنا إلى يوم القيامة ثلة». {وأصحاب الشمال} [41] العرب تتشاءم بالشمال، وتعبر به عن الشيء الأخس، والحظ الأخيب الأنقص. كما قال:
رأيت بني العلات لما تضافروا ** يحوزون سهمي دونهم في الشمائل

فأنزلني ذات اليمين ولم أكن ** بمنزلة الملقى شمال الأراذل

قال الهذلي:
أبالصرم من أسماء حدثك الذي ** جرى بيننا يوم استقل ركابها

زجرت لها طير الشمال فإن يكن ** هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها

{وظل من يحموم} [43] اليحموم: الدخان.
وقيل: نار سوداء. ولما كان فائدة الظل، التروح من كرب الحر والسموم، فإذا كان الظل من الدخان كان غير بارد ولا كريم. {شرب الهيم} [55] الهيم: الإبل العطاش. والهيام: داء تشرب معه الإبل فلا تروى. كما قال الأعرابي:
وما وجد ملواح من الهيم حلئت ** عن الماء حتى جوفها يتصلصل

تحوم وتغشاها العصي وحولها ** أقاطيع أنعام تعل وتنهل

بأكثر مني غلة وتعطفًا ** إلى الورد إلا أنني أتجمل

{تمنون} [58] منى وأمنى واحد. والإمناء: الإراقة، ومنه منى لإراقة الدماء بها، فسمي لذلك الماء الذي منه الولد منيًا. {حطامًا} [65] هشيمًا. {تفكهون} [65] تندمون في لغة تميم. وقيل: تعجبون. وذكر أبو عمر الزاهد عن ثعلب أن التفكه والتفكن: التندم على النفقة. {تورون} [71].
الإيراء: استخراج النار من الزند. {تذكرة} [73] تذكركم النار الكبرى. {ومتاعًا} [73] للاستضاءة بها، والاصطلاء والإنضاج، والتخليل على مذهبنا، وغير ذلك من إذابة الجوهر، وتعقيدها وتكليسها وكل ذلك لمنافع العباد. والماعون الأكبر، المتاع الأعم: هو الماء والنار، ثم الكلأ والملح، وليس للماء وغيره-وإن كان متاعًا للمقوين- ما للنار من التذكرة بعذاب الله الزاجرة من معاصيه. وأقوى: من الأضداد، أغنى وافتقر فلذلك اختلف تفسيره إلى المسافرين وإلى المستمتعين.
{بمواقع النجوم} [75] مطالعها ومساقطها. وقيل: انتشارها يوم القيامة. وقيل: إنها نجوم القرآن، نجمه جبريل على النبي عليهما السلام. وقيل: إنها قبور الأخيار الأبرار.
وقوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} [76].
اعتراض بين القسم وجوابه، تضمن اعتراضًا بين الموصوف الذي هو (قسم)، وبين صفته التي هي {عظيم}، وهو قوله: {لو تعلمون}، فذانكما اعتراضان، أحدهما في الآخر. {مدهنون} [81] منافقون أدهن وداهن إذا لاين ونافق. كما قال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري:
بز امرئ مستبسل حاذر ** لدهر جلد غير مجزاع

الكيس والقوة خير من ** آل إدهان والفكه والهاع

{وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [82] أي: تجعلون جزاء رزقكم الكفر والتكذيب، فيدخل فيه قول العرب: مطرنا بنوء كذا. ويدخل فيه ما كان يأخذه بعض العرب من مال أبي سفيان وأمثاله، ليكذبوا رسول الله ولا يؤمنوا به. {فلولا إذا بلغت الحلقوم} [83] كناية عن النفس وإن لم تذكر. كما قال حاتم:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يومًا وضاق له الصدر

أماوي إما مانع فمبين وإما ** عطاء لا ينهنهه الزجر

{غير مدينين} [86] الدين في هذا الموضع الطاعة والعبادة، لا الجزاء كما ذهب إليه كثير من الناس. أي: فهلا إن كنتم غير مملوكين مطيعين مدبرين، وكنتم كما زعمتم مالكين حلتم بيننا وبين قبض الأرواح، ورجعتموها في الأبدان، فهذا صحيح، وإلا فلا معنى للعجز عن رد الروح في الإلزام على إنكار الجزاء والإعادة. {فروح} [89] راحة. وفي قراءة النبي عليه السلام من رواية عائشة، وقراءة ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، والأشهب، ونوح القاري، وبديل، وشعيب ابن الحربي، وسليمان التيمي، والربيع بن خثيم، وأبي عمران الجوني، وأبي جعفر محمد بن علي، والفياض: {فروح} بضم الراء.
ومعناه: حياة لا موت بعدها. {وريحان} استراحة عن ابن عباس. ورحمة عن الضحاك.
تمت سورة الواقعة. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الواقعة:
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}.
قال: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} فقوله: {مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} هو الخبر. وتقول العرب: (زيدٌ وَمَا زيدٌ) تريد (زيد شَديدٌ).
{مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}.
وقال: {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} على المدح نصبه على الحال يقول: (لَهُمْ هَذَا مُتَّكِئِينَ).
{إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا}.
وقال: {إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} إن شئت نصبت السلام بالقيل وان شئت جعلت السلام عطفا على القيل كأنه تفسير له وان شئت جعلت الفعل يعمل في السلام تريد (لا تسمع إِلاّ قيلًا الخير) تريد: إِلاّ أَنَّهُم يقولون الخيرَ، والسلام هو الخير.
{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا}.
وقال: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا} فأضمرهن ولم يذكرهن قبل ذاك. وأما (الأَترابُ) فواحدهن (التِرْبَ) وللمؤنّث: (التِربَة) هي (تِربى) وهي (تِرْبَتي) مثل (شِبْه) و(أَشْباه) و(التِرْبُ) و(التِرْبَةُ) جائزة في المؤنث ويجمع: بـ(الأَتْراب) كما تقول (حَيَّةٌ) و(أَحْياء) إذا عنيت المرأة و(مَيْتَةٌ) و(أَمْواتٌ).
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}.
وقال: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي: من الشجرة {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} لأنَّ (الشَجَر) يؤنَّث ويذكّر. وأَنَّثَ لأنه حمله على(الشَجَرة) لأن (الشجرةَ) قد تدل على الجميع تقول العرب: (نَبَتَتَ قِبَلَنا شَجَرةٌ مُرَّةٌ وَبَقْلَةٌ رذية) وهم يعنون الجميع.
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.
وقال: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ} و{شُرْبَ} مثل (الضَّعْف) و(الضُّعْف).
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ}.
وقال: {مَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} أي للمسافرين في الأرض القِيِّ. تقول: (أَقْوَى الشيءُ) إِذا ذَهب كلُّ ما فيه.
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}.
وقال: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ثم قال: {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [86] [174] ِأيْ: غيرَ مَجْزِيِّينَ مقهورين ترجعون تلك النفس وانتم ترون كيف تخرج عند ذلك {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [87] أنكم تمتنعون من الموت. ثم أخبرهم فقال: {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [88] {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [89] أي: فَلَهُ رَوْحٌ ورَيْحانٌ {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [90] {فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [91] أي: فيقال له (سَلامٌ لَكَ).
{إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}.
وقال: {حَقُّ الْيَقِينِ} فأضاف إلى (اليَقِينِ) كما قال: {دِينُ القَيِّمَةِ} أي: ذلك دينُ المِلَّةِ القَيِّمَةِ، وذلك حقُّ الأمْرِ اليَقينِ. وأما (هذا رَجُلُ السَوْءِ) فلا يكون فيه: هذا الرجلُ السَوْءُ. كما يكون في (الحقُّ اليَقِينُ) لأن (السَّوْءَ) ليس بـ(الرَّجُلِ) و(اليَقينُ هُوَ الحَقُّ). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة الواقعة مكية كلها.
1- {الْواقِعَةُ} القيامة.
2- {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} أي ليس لها مردود. يقال: حمل عليه فما كذب، أي فما رجع.
قال الفراء: «قال لي أبو ثروان: إن بني نمير ليس لحدّهم مكذوبة، أي تكذيب».
3- ثم قال: {خافِضَةٌ رافِعَةٌ} أي تخفض قوما الى النار، وترفع آخرين إلى الجنة.
4- {إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} أي زلزلت.
5- {وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا}: فتّتت، حتى صارت كالدقيق والسّويق المبسوس.
6- {فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} أي ترابا منتشرا. و(الهباء المنبث): ما سطح من سنابك الخيل.
7- {وَكُنْتُمْ أَزْواجًا ثَلاثَةً} أي أصنافا.
8- {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ}؟! على التعجب. كأنه قال: أي شيء هم؟!. ويقال في الكلام: (زيد ما زيد!) أي أي رجل هو.